روائع مختارة | واحة الأسرة | فقه الأسرة | مشروعية المهر وحكم تحديده

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > فقه الأسرة > مشروعية المهر وحكم تحديده


  مشروعية المهر وحكم تحديده
     عدد مرات المشاهدة: 1840        عدد مرات الإرسال: 0

ومفاد هذه المسألة سؤال من أخت قارئة تسأل فيه عن مشروعية المهر وتقول: إنه يجري أحياناً التعارف على تحديد المهر بحيث لا يتجاوز حداً معيناً، ويلتزم به أهل الخاطب وأهل المخطوبة، وتسأل الأخت القارئة عن مشروعية هذا التحديد؟.

والجواب على هذا عن وجهين:

الوجه الأول/ مشروعية المهر: المهر مشروع بدليل ما ورد في كتاب الله، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فمن الكتاب قول الله تعالى: {...وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً...} [النساء:4]. والأمر في هذا موجه للأزواج بأن يعطوا النساء مهورهن، وبهذا قال ابن عباس وغيره، وقيل إن الأمر هذا موجه للأولياء، لأن الولي في الجاهلية كان يأخذ مهر مولاته ولا يعطيها منه شيئاً، ومن الكتاب أيضاً قول الله تعالى: {...فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ...} [النساء:25].

وفي هذه الآية الكريمة حكمان:

1: وجوب إذن الولي.

2: وجوب المهر في النكاح.

ومن الكتاب أيضاً قول الله تعالى: {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} [النساء: 20]، ومشروعية المهر من السنة ما روي أن علياً لما تزوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يدخل بها فمنعه صلى الله عليه وسلم حتى يعطيها شيئاً فقال: يا رسول الله ليس لي شيء، فقال: «اعطها درعك»، فأعطاها درعه ثم دخل بها.

وما روي أن رسول الله عليه الصلاة والسلام رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة فقال: «ما هذا؟» قال: إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب، قال: «بارك الله لك...» الحديث، فدلت هذه الأدلة على مشروعية المهر، ووجوبه ولهذه المشروعية سببان:

أولهما: أن المهر مال في مقابل منفعة، وإن تم الاتفاق على عدمه بطل هذا الشرط فيفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بمهر المثل، وهذا هو المشهور في مذهب الإمام مالك.

وثانيهما: أن في المهر تكريم للمرأة ورفع لقدرها وهو ما أراده الله بالنص عليه في كتابه في قوله تعالى: {...وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا...} [النساء: 20]، هذا من حيث النص، ومن حيث المعقول فليس لأحد أن يأخذ من أحد شيئاً بدون حق لمنافاة ذلك للطبيعة الإنسانية بل إن ذلك يعتبر تعدياً وتجاوزاً عليه، وقد روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً كان يختلف إليه شهراً يسأله عن امرأة مات عنها زوجها ولم يكن قد فرض لها شيئاً وكان يتردد في الجواب فلما تم الشهر قال للسائل لم أجد لك في كتاب الله ولا فيما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن إجتهد برأي فإن كان صواباً فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان أرى لها مثل نسائها لا وكس ولا شطط، فقام معقل بن سنان وقال: إني أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضى في بروع بنت واشق الأشجعية مثل قضائك هذا، ثم قام أناس من أشجع وقالوا إنا نشهد بمثل شهادته.

وفي هذا السياق أورد الإمام علاء الدين الكاساني ما نصه تحليلاً فقهياً رائعاً وقال فيه: ولأن ملك النكاح لم يشرع لعينه، بل لمقاصد لا حصول لها إلا بالدوام على النكاح والقرار عليه، ولا يدوم إلا بوجوب المهر بنفس العقد لما يجري بين الزوجين من الأسباب التي تحمل الزوج على الطلاق من الوحشية والخشونة، فلو لم يجب المهر بنفس العقد لا يبالي الزوج عن إزالة هذا الملك بأدنى خشونة تحدث بينهما، لأنه لا يشق عليه إزالته لما لم يخف لزوم المهر فلا تحصل المقاصد المطلوبة من النكاح، ولأن مصالح النكاح ومقاصده لا تحصل إلا بالموافقة، ولا تحصل الموافقة إلا إذا كانت المرأة عزيزة مكَّرمة عند الزوج، ولا عزة إلا بانسداد طريق الوصول إليها إلا بمال له خطر عنده، لأن ماضاق طريق إصابته يعز في الأعين، فيهون إمساكه، ومتى هانت في أعين الزوج تلحقها الوحشة فلا تقع الموافقة، فلا تحصل مقاصد النكاح....

الوجه الثاني/ حكم تحديد المهر:

هل للمهر حد في أقله أو أكثره؟ ورد من أحاديث تباينت في درجة صحتها، فعند الإمام مالك لا حد لأكثره، أما أقله فنصاب القطع في السرقة وهو ربع دينار أو ثلاثة دراهم، وفي مذهب الإمام أبي حنيفة أن أدنى المهر عشرة دراهم، أو ما قيمته بهذا القدر ودليل ذلك عندهم ما روي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا مهر دون عشرة دراهم»، وما روي عن عمر وعلي وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم أنهم قالوا لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم، وعند الإمام الشافعي لا حد لأقله أو أكثره، بدليل قول الله تعالى: {...وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا...}، وعلى ألا وقت في الصداق كَثُرَ أو قلَّ لتركه النهي عن القنطار وهو كثير، وتركه حد القليل. وعنده أن أقل ما يجوز في المهر أقل ما يتمول الناس وما لو إستهلكه رجل كانت له قيمة وما يتبايعه الناس بينهم، واستدل رحمه الله على ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «أدوا العلائق»، ولما قيل له مال العلائق يا رسول الله؟ قال: ما تراضى به الأهلون.

وفي مذهب الإمام أحمد أن المهر غير مقدَّر لا أقله ولا أكثره بل كل ما كان مالاً جاز أن يكون مهراً، وبهذا قال الإمام أبو ثور وغيره، وإستدل من قام بعدم تحديد المهر في قليله أو كثيره بقول الله تعالى: {...وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم...} [النساء:24]، يدخل فيه القليل والكثير. كما إستدلوا بما رواه جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن رجلاً أعطى امرأة صداقاً ملء يده طعاماً كانت له حلالاً». وفي لفظ آخر عن جابر قال: كنا ننكح على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقُبْضَة من الطعام، كما إستدلوا بأن عمر أصدق أم كلثوم ابنة علي أربعين ألفاً، ويتبن مما سبق أن الإمامين مالكاً وأبا حنيفة إنفردا بتحديد القليل من المهر، وأن الفقهاء أجمعوا على أنه لا حد لأكثره ولعل الصواب عدم تحديد المهر في قليله أو كثيره للسببين التاليين:

أولهما: سبب شرعي، لأن الله تعالى قال: {...وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً*وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء:20]، وما مثَّل الله بالقنطار إلا لأنه دليل على وفرة المهر، لأنه تعالى لا يمثل إلا بمباح كما يقول الإمام القرطبي، ولما خطب عمر رضي الله عنه وقال: ألا لا تغالوا في صداق النساء وإنه لبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال، ثم نزل فعرضت له امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين لكتاب الله أحق أن يُتَّبع أم قولك؟ قال: كتاب الله، فما ذاك؟ قالت: نهيت الناس آنفاً أن يتغالوا في صداق النساء والله تعالى يقول في كتابه: {...وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا...}. فقال عمر: كل أحد أفقه من عمر، مرتين أو ثلاثاً، ثم رجع إلى المنبر فقال للناس: إني كنت نهيتكم أن تغالوا في صداق النساء فليفعل رجل في ماله ما بدا له.

السبب الثاني: سبب إجتماعي ونفسي

وذلك أن مسألة المهر من مسائل العادات التي يعتادها الناس حسب زمانهم، ومكانهم فإذا قُسروا على خلافها لجؤوا إلى التحايل عليها بطرق شتى، وهذا إلى جانب أن في التحديد حساسية لبعض النساء، لأن فيه ما يشبه البيع كالمتاع فتصبح العلاقة بين الزوجين مما تضيق به النفس، ولا يرى الإمام ابن تيمية سبباً لتحديده حيث يقول: إن العوض عما ليس بمال كالصداق ليس بواجب أن يُعْلم كما يُعلم الثمن والأجرة، ولا يقاس على بيع الغرر كل عقد على غرر، لأن الأموال إما أنها لا تجب في هذه العقود إذا وقع فيه غرر لم يفض إلى المفسدة المذكورة في البيع بل يكون إيجاب التحديد في ذلك فيه من العسر والحرج المنفي شرعاً ما يزيد على ضرر ترك تحديده.

قلت: إن عدم تحديد المهر لا يعني -بأي حال- المغالاة فيه، لأن في المغالاة إسراف وتبذير وقد نهى الله عن ذلك في كتابه العزيز في قوله تعالى: {...وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31]، وقال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ...} [الإسراء:27]، وذهب البعض إلى أن قول الله تعالى: {...وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا...}، لا يدخل على جواز المغالاة في المهر، وقالوا لعل المقصود هو عدم أخذ الرجل ما أعطاه للمرأة من القدر العظيم من المهر في حال طلاقه لها من غير سوء منها، وإستدل من قال ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بنى مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة»، ومن المعلوم أن المسجد لا يكون بهذا القدر من الصغر فكان المقصود من قوله عليه الصلاة والسلام تعظيم الأجر لباني المسجد، ولا شك أن تيسير المهر فوائد عديدة للزوج، وللأمة، وللمرأة خاصة، وفي ذلك روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من يُمْن المرأة تسهيل أمرها، أو تيسير أمرها وقلة صداقها»، وقالت عائشة رضي الله عنها وأنا أقول من عندي: ومن شؤمها تعسير أمرها وكثرة صداقها، وقد سبق ذكر ما قاله عمر رضي الله عنه والأقوال في هذا المعنى كثيرة، والأهم من التحديد تغيير عادات الناس عندما يغالون في المهر وهذا التغيير يتأتى من خلال توجيههم وإرشادهم إلى فوائد تيسيره، وأضرار المغالاة فيه فما تقتنع به النفوس في أمر من الأمور أبقى وأهم مما تجبر عليه.

خلاصة المسألة: أن مهر الزوجة مشروع بالكتاب والسنة والإجماع لما فيه من تكريم لها وكونه حقاً لها خلافاً لما كان عليه الحال في الجاهلية من ظلم وعضل وليها واستغلاله لمهرها، وكونه أيضاً من طبائع الأشياء التي لا تدوم الحال إلا بوجودها. وقد عظم الله أمر المهر في كتابه العزيز في قوله تعالى: {...وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً*وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}. وقد اتفق الفقهاء على أنه لا حد لأكثره وأن المرجع فيه إلى العادات، وقد انفرد الإمامان مالك وأبو حنيفة بتحديد أقله، ولعل الصواب عدم تحديد قليله أو كثيره لما قد يكون في التحديد من أضرار تفوق فوائده، ولكن عدم التحديد لا يعني بأي حال المغالاة فيه، لما في ذلك من الأضرار الكثيرة للأمة، وللمرأة خاصة، فكل ما كان المهر يسيراً بارك الله فيه، والعكس بالعكس.

فمن الواجب إذاً إرشاد الناس إلى فوائد تيسيره، لأن ما تقتنع به النفوس في أمر من الأمور أبقى وأهم ما تُجبر عليه. والله أعلم.

الكاتب: د. عبد الرحمن بن حسن النفيسة.

المصدر: موقع رسالة الإسلام.